ثقافة و تراث ( 1 )
كثير من الاماكن و المناطق و المدن و القرى إشتهرت بنشاطات تميزت بها و صارت من ثقافتها و عاداتها و تقاليدها . فمنذ سنين عديده عرف الجريف شرق بكماين الطوب أي تصنيع الطوب الأحمر الذي يصاحبه نشاط إقتصادي مركب ، يبدأ من ضرب الطوب الذي هو عبارة عن عدة عمليات ؛ أولها خلط القرير بالماء و مادة مخمرة ثم يترك لعدة ساعات بعدها يشكل بالقوالب و يوضع على الأرض في شكل صفوف و يترك ليجف . بعد ذلك تأتي عملية قلب الفرش و هى تكمل جفاف الجانب الأخر للطوب و يسمى في هذه المرحلة بالطوب الأخضر . يلي ذلك جمع الطوب في مكان واحد ( يرص بطريقة معينة على شكل غرفة تسمى كمينة ) . و من ثم تأتي عملية الدوران و هي عبارة عن إحاطة هذا التشكيل بالكسار بضم الكاف و تشديد السين و بعد ذلك تقفيل الفتحات بالطين لضمان أن تظل درجة حرارة حرق الطوب مركزة في مكانها المطلوب . و بذلك نكون وصلنا الى مرحلة الحرق و لقد إشتهر بعض أعمامنا بهذه المرحلة و برعوا فيها . بعد إكتمال نضج الطوب و تحوله الى اللون الأحمر و الأصفر و الفور وهي ثلاثة أنواع تنتج لإختلاف درجات الحرارة داخل الكمينة . يترك ليبرد ليتم تجيهزه للتخزين أو الترحيل . عملية الترحيل فيها اللوري و السائق و المساعد و الطلب بضم الطاء و فتح اللام . لا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يستمر لعملية البناء و اللياسة و النقاشة . فقد إشتهر أهلنا على نطاق سوداننا الحبيب بلمستهم السحرية في أعمال البناء المختلفة و يكفي شهرتنا في بناء المساجد بطول مساحات سوداننا .
طيلة سنين عمري اعجبت بإبداع و إنجاز و أداء مجموعة كبيرة من أبناء بلدي و لقد حاولت كثيرا تقليدهم و لكنني لم أصل لمرحلة إبداعهم .
هناك طرائف كثيرة في حياتنا منها ما حكاه لي أحد الأخوان ، أنهم بنوا غرفة إلى مرحلة العتب عندها إكتشفوا أنهم لم يتركوا فتحات للشبابيك . و مرة أحد الشباب زار الجريف و راح البحر فشاهد عملية تصنيع الطوب و بحسن نية سأل ؛ ألف الطوب فيه كم طوبة ؟ قصة أخرى عندما طلب واحد في المغاربة من بعض الاخوان طوب فأحضروه له ، طلب بنائين قالوا له نحن ، طلب مليسين قالوا له نحن ، طلب نقاشين قالوا له نحن ، و صادف أن الرجل عنده زواج بنته فقالوا له حنغني ليك ، و لقد كان .
الشيء الذي دفعني لكتابة هذا الموضوع ما سمعته عن توقف نشاط الكماين و عدم تصوري لشكل الحياة بعد أن يتوقف ما تميزنا به لسنين .