عدد الرسائل : 30 العمر : 49 الاقامة : الجريف شرق المهنة : محاسب تاريخ التسجيل : 04/05/2008
موضوع: رواية الحلم و الحقيقة - روح بلا جسد (4/1) الخميس 05 فبراير 2009, 7:34 am
الفصل الأول (4-1) السفر فكراً بأدغال الجنوب
دلفت إلى الشركة وأنا أتطلع أن لا أجد المدير العام او (كامل) في وجهي بعد خمسة أيام من إخباري بالسفرية .. وذاك كان ديدني خلال تلك الأيام .. ولكن من ان وصلت مكتبي حتى جاءني الساعي وهو يرمى على بطلب المدير العام رؤيتي .. فجمعت أشتاتي المثقلة بهواجس الحلم وإتجهت إلى مكتب المدير العام ! - كيف حالك (حاتم) ؟ ورديت على سؤال المدير بإغتضاب : - الحمد لله . ولا حظ المدير ذاك الفتور المتبدئ على .. ولكنه لم يلق بالاً له وهو يسألني: - هل أخبرت أسرتك بأمر المهمة ؟ فكذبت عليه وأنا أقول : - نعم أخبرت أبى وأخواي وتبقت لي أمي ! في حين أنى لم أخبر أي من هؤلاء .. وبعد صمت لمدة قصيرة قال : - أرجو ألا تكون قد غضبت منى (حاتم) .. وأنا أختارك لهذه المهمة لعلمي بأنك من القلائل الذين يمكنهم إجادت الصفقات .. وقد أخبرني (كامل) أنك لم تكن راضياً في البدء ! وبعث الإسم في نفسي مزيداً من الغضب والكآبة المأفقة السواد بنفسي .. وقد أدركت أن (كامل) هو من رشحني لهذه المهمة .. ونفسي تضج بفكرة تخلصه منى في أحراش الجنوب برصاصة طائشة او قذيفة مدفع مجنون تائهة لم تجد مستقر لها سواى ! فقلت : - في البداية فقط رفضت .. ولكن نسبة لظروف حوجتى للمال بسبب زواج أختي فقد وافقت ! - أعرف أن عملك الحسابات في الشركة .. ولكنني أعرف أنك قد تدخلت في صفقة شركة (الصداقة) لتنقذ الشركة من كارثة كانت ستحل بها ! وبعد صمت واصل قائلاً : - ورغم أنني أدركت بأنني تحاملت عليك متأخراً لأنني لم أوفى حقك كاملاً .. إلا إنني سأوفى لك حقك كاملاً في هذه المرة بإذن الله تعالى ! ولم أرد عليه وأنا أتذكر أحداث تلك الصفقة .. وقد نسبها (كامل) لنفسه رغم علم المدير العام بمساعي و جل مجهودي لإنجاح صفقة السيارات مع شركة الصداقة .. فواصل قائلاً : - وستستمتع جداً في الإقامة في مدينة (جوبا) .. كما أن شركة (إيشا) للبن والتبغ و التي مديرها (الفاتح) ومعظم موظفي الشركة من أبناء الشمال .. وكذلك الجو الجميل الذي تتمتع بها (جوبا) كما أخبرني (الفاتح) ! وواصلت صمتي .. وواصل المدير العام سرده عن مخصصات الرحلة ومكافأتها .. كما أعاد على مسامعي مسئولية معرفة ما تحتاجه أسواق (جوبا) .. ومعرفة كذلك مجال شركة (ايشا) والمتعلق بالبن والتبغ .. وأخبرني أن موعد سفري بعد يومان ! وخرجت من مكتب المدير العام وقد أمرني بالتجهيز للسفر .. ودونما أن تنبس شفتاي ببنت شفة .. وبعقلي خواطر الغضب وقد إختلطت جحافلها بخواطر حوجة أسرتي للمال نسبة لقرب زواج أختي (ماجدة) .. والتي ستتزوج من إبن عمنا (إبراهيم) والذي تم تحديده بعد شهران من الآن ! وخطواتي مترنحة بتلك الهواجس وهى تخطو نحو المكتب قابلت (كامل) وعلى وجهه إبتسامة خبيثة .. وتذكرت لحظتها قهقهة (الشبح الأسود) في الحلم .. وسألني بسخرية : - هل إنتهيت من تجهيز نفسك للسفر (حاتم) ؟ ولم أرد عليه من غضبى على سخريته .. وسكت وأنا أحاول أن أتمالك نفسي محافظاً على إستمرارية عملي بالشركة .. خاصة وأنا قد أدركت بأن (كامل) يده واصلة كما يقول أهلنا .. ودلفت إلى المكتب مباشرة وخلفي ضحكات (كامل) وعقلي تطرق خلاياه قهقهات (الشبح الأسود) في الحلم ! و إستقبلتنى (فاتن) وهى تسألني بإهتمام : - أرجو ألا تكون قد رفضت المهمة !؟ - لا لم أرفضها ! فسألني (حمزة) بدوره : - ولماذا أنت متكدر هكذا والسفرية في مصلحتك ؟ وبعد صمت قلت : - ما يكدرني هو أنني لم أخبر أمي بعد .. وأنا واثق من رفضها لذهابي لعلمها بحرب الجنوب ! وتواصل حديثي عن محاولة أيجاد فكرة لإقناع أمي بالسفر إلى أحراش الجنوب .. وتطور بعدها النقاش إلى مسألة حرب الجنوب ! - أنا لا أشاركك الرأي يا (فاتن) .. بل إننى أعتقد أن هذه الحرب لا تمت إلى الجهاد بصلة ! - ولماذا يا (حمزة) !؟ - لأنها ببساطة تحولت إلى حرب من أجل السلطة و المقاعد يا (فاتن) ! فردت (فاتن) : - أنا أصر على أنها جهاد في سبيل الله ! فقلت : - إذن أقنعينا (فاتن) ! - لو إفترضنا يا (حاتم) أن الجنوبيين تحصلوا على السلطة .. فتأكد من أننا سنصبح مثل المسلمين في الإتحاد السوفيتي عقب تفككه .. أي مضطهدين وهذا ما تسعى إليه المؤسسة الكنسية و المنظمات اليهودية .. للدفع بالمسلمين شمالاً وتخلو الأرض جنوباً لهما ! فعقب (حمزة) قائلاً : - ولماذا لا نتوقع أن يكونوا غير ذلك (فاتن) ؟ - لن يكونا غير ذلك .. خاصة وأن الإنجليز زرعوا فتنة التعنصر والدين منذ زمن طويل وقبل الإستقلال منذ الإحتلال الإنجليزي المصري .. لذا فالجنوبيين و الشماليين محملين بأوزار الماضي .. وحتماً نحتاج لفناء أجيال حتى نتخلص من لعنة تلك الفتنة ! فقلت : - إذا كان الأمر كذلك فليعطوهم الجنوب إذن .. ونقتل الفتنة إلى الأبد ! فردت (فاتن) : - سيصبح الأمر ساعتها عقبة كبرى .. فبمجرد إعطائهم الجنوب فسيحتاجون هم أيضاً إلى فناء أجيال لكي يبتعدوا عن التناحر والفرقة و الشتات والتعصب للقبلية .. وقد ينقسموا إلى دويلات وهذا ما تتمناه بعض الدول المجاورة لكي تفوز بتلك الأراضي الغنية بالثروات ! وبعد صمت واصلت قائلة : - وستستعر الحدود مرة أخرى مما يؤدى إلى العودة إلى مربع الحرب .. وخاصة بعد دخلوا أطماع التحكم في منابع النيل ! فقلت : - لو فرضنا يا فاتن أن الأمر إنتهى إلى سلام .. فماذا تعتقدين حدوثه ؟ وعقب (حمزة) : - هذا بإفتراض إن أدخلنا الأمر في مسألة حوار الأديان .. ونحن نعلم أن الدين الإسلامي يدعو للتعايش السلمي وإحترام الديانات الأخرى .. هذا عكس المسيحية والتي دخل التحريف إنجيلها !؟ فردت (فاتن) : - هذه هي المعضلة الكبرى فالجنوبيين مثلهم مثل النصارى واليهود يعتقدون أن الإسلام خطر عليهم وعلى معتقداتهم .. لذا جاء سكب الإنجليز لمعتقدات التعنصر الديني و القبلي على جنوب السودان لتصنع الفتنة التي لا تموت نارها .. وهذا ما أدخلهم في قوقعة صعب الخروج منها .. وكما ذكرت سابقاً نحتاج إلى فناء أجيال لنتجاوز الأمر .. وهذا مع فرضية إقتناع هذه الأجيال بفكرة أن السلام يمكن أن يتحقق مع إقتناعى بعدم جدوى ذلك لسوء النية المبيت عند الجنوبيين ! - وما دليلك (فاتن) على سوء النية المبيت لدى الجنوبيين بالأحقاد التي زرعها المستعمر في نفوسهم .. والتي هي في الأصل كلها أكاذيب وأوهام لوقف تقدم الإسلام نحو أدغال أفريقيا جنوباً في العصور السابقة ! فردت : - كلنا يعلم أن الجنوبيين يخربون ويدمرون المساجد و المدارس و الخلاوى معتقدين أنها تمت بصلاتها للإسلام .. ويسلبون صغار السن من القبائل الجنوبية لتقوية جيوشهم وكذلك الإعتماد على المرتزقة .. شأنها شأن كل حركات التمرد في أدغال أفريقيا .. عكس القوات المسلحة التي تتبع الطرق الواجب إتباعها عند الدخول إلى المدن من تطوير وتعمير ونماء وفى إستقطاب وإختيار أفرادها حسب السن القانونية وتدريبهم ! فقال (حمزة) : - إنه أمر صعب فعلاً .. ولكن في رأيك (فاتن) هل يكمن الحل في الإنفصال .. و الذي قد يقود إلى تشتت السودان إلى دويلات هذا بفرض أن أقاليم أخرى قد تستغل هذا الأمر لتطالب هي الأخرى بالإنفصال أيضاً !؟ فقلت : - ولكن يا (حمزة) هل الإنفصال تأكيد لإستشراء فكرة الفصل و الإستقلال عن الوطن الأب !؟ فردت (فاتن) : - نعم يا (حاتم) .. فمجرد فصل الجنوب عن الشمال ستطالب أقاليم أخرى بالإنفصال .. وهذا يرجع للتركيبة القبلية والإثنية لسكان السودان عموماً ! وبعد صمت واصلت قائلة : - وكذلك لو أوقفت الحرب في الجنوب بأي نوع من أنواع الإتفاقيات .. فثق بأنها ستنشب فى مناطق أخرى ! فأدركت صعوبة النقاش مع (فاتن) وخاصة وإنها متبحرة أكثر منا أنا و (حمزة) فى مسألة حرب الجنوب فسألتها : - ما هو الحل في رأيك (فاتن) لهذه المشكلة ؟ - الحل يكمن في إيقاف الحرب فعلاً يا (حاتم) .. ولكننا سنحتاج فهم آخر لتدعيم السلام وأستمراريته ! فتساءل (حمزة) : - ما هو الفهم الذي تقصدينه (فاتن) !؟ - أن نفهم يا (حمزة) أنفسنا أولاً .. ومن ثم عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا وإحتياجات بيئتنا .. ومن ثم نغذى أنفسنا بحب الوطن قبل حب موطن الميلاد والإقامة .. وتكون أول أولوياتنا هي رفعة الوطن .. ومن ثم محاولة تطوير موروثاتنا لتتماشى مع مفاهيم الوطنية الحق .. وهذا لن يتأتى سوى بالعلم والعلم فقط ! وبعد صمت واصلت : - فمشكلتنا الكبرى الجهل .. والذي يجعلنا نقذف بحب الوطن لنتعنصر ونتخندق فى العنصرية والجهوية والقبلية .. وبعد نشر العلم سنجد أنفسنا تلقائياً قد رفعنا شأن وطننا السودان ومن ثم رفعة كل منطقة وأهلها ! فقلت ونفسي منبهرة بذاك الحديث الذي نطقته (فاتن) : - حديثك رائع جداً (فاتن) .. وفى إعتقادى أنه حل لمشاكل السودان .. ولكن ألا ترى أنه يحتاج لزمن طويل حتى نستطيع الوصول لتلك المرحلة ؟ وتواصل النقاش رغم أنني نويت في دواخلي إغلاقه .. وأتضح لي أن (فاتن) تملك خلفيات ومعلومات عن أشياء لم أكن أعتقد أنها تهتم بها .. فظني كان أنها تهتم بالمال و الجنس فقط .. و رغم مدة النقاش الطويلة إلا إنه كان حميمياً أكثر من اللازم .. وذلك لأنه لم يكن يوجد العنصر الذي من المفترض وجوده لإشتعال النقاش ومعرفة وجهات النظر للجانب الآخر .. ألا وهو الإنسان الجنوبي ! ورغم إننى نسيت الحلم الأسود لمدة .. إلا إنه عاد مرة أخرى وأنا أشد ملفاتي لجمعها معلناً العودة إلى المنزل وعقارب الساعة تشير إلى قرب موعد إنتهاء زمن العمل .. وخرجنا أنا و(مرتضى) سويا ونحن نتحادث عن تلك السفرية !