و أذكر إسم ربك بكرة و أصيلا
إشتكى بعض الصحابة رضوان الله عليهم تباين حالتهم الروحية عندما يكونون في حضرته و عندما يبتعدون عنه ، فمن بين إرتقاء روحي كامل إلى إنشغال بمناحي الحياة الاخرى من مال و بنين و علاقات إجتماعية . كما و رد في الحديث الصحيح ( لقيني أبو بكر فقال : كيف أنت ؟ يا حنظلة ! قال قلت : نافق حنظلة . قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ قال قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . يذكرنا بالنار والجنة . حتى كأنا رأي عين . فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات . فنسينا كثيرا . قال أبو بكر : فوالله ! إنا لنلقى مثل هذا . فانطلقت أنا وأبو بكر ، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : نافق حنظلة . يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما ذاك ؟ " قلت : يا رسول الله ! نكون عندك . تذكرنا بالنار والجنة . حتى كأنا رأى عين . فإذا خرجنا من عندك ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات . نسينا كثيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده ! إن لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم . ولكن ، يا حنظلة ! ساعة وساعة " ثلاث مرات . )
هذا حال الصحابة الذين كانوا يأخذون من الرسول صلى الله عليه و سلم مباشرة ، فماذا عننا نحن و قد بعدنا عنه مسافات زمانية و مكانية ، لا شك أن الإرتقاء الروحي بمقياس العقل سيكون ضعيفا جدا إن لم يكن معدوما . و هذا قد يصيب البعض منا بالإحباط و اليأس لكن بشرنا أن رحمة الله و سعت كل شيء .
فالأمة بخير ، كل يوم يزداد عدد المسلين رغم كل الحروب الحسية و المعنوية . حفظة القرآن في إزدياد ، طلبة العلم في نمو . وذلك فضل الله علينا . فإن كان الاسلام نعمة ، فهناك نعمة أخرى تتبعها و هى نعمة التوفيق إلى ذكر الله سبحانه و تعالى .
هناك الكثير من الاشخاص الذين ذاقوا حلاوة الذكر فلم يرضوا بغيره بديلا . فبعد أن أدوا ما عليهم من فرائض و سنن مكتوبة أمضوا اوقاتهم في الذكر الذي يشمل تلاوة القرآن ، الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ، أذكار اليوم و الليلة التي أخذت من سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم ، التهليل ، التسبيح ، أسماء الله الحسنى ، البسملة ، حسبنا الله و نعم الوكيل و تكرار قصار السور كالفاتحة و الاخلاص و الفلق و الناس و الكافرون . فبإستدامتهم على الذكر فتحت لهم أبواب معرفة كبيرة و ترقوا روحيا و منهم من أكرمه الله برؤية الاجسام اللطيفة النورانية كالملائكة و الاجسام النارية كالجن و الشياطين . (إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته ) . هذا حالهم على ضوء هذا الحديث الصحيح . و لكم أن تبحثوا في سيرة الامام أحمد لتكتشفوا حقيقة الكرم الالهي لاهل الذكر ، حيث أجاب دعوة خباز سأل الله أن يريه الامام أحمد . و لقد ذكر العلماء فضائل كثيرة و ثمرات ظاهرة للذكر نسأل الله أن يؤفقنا إلى ذكره و أن يجعلنا من المديمين لذكره . آمين