الاستقرار وعدم الرحيل كان إلي قريب الزمان من خصائص الشعب السوداني فالغربة ليست مفردته المحببة كما هي الآن ، أما من اغتربوا سابقا فمعظمهم من جماعة " من عندنا " وكانت "أم الدنيا " هي محطتهم في الغالب ، ثم انفتحت أبواب السودان فسجل الغناء هذا الرحيل ، بل وصار السفر والغربة من ابرز المفردات السودانية ، وسنحاول ما أمكن أن نحيط بهذا ، فالسفر والرحيل والغربة غطاها الغناء السوداني ، وبلدان المهجر عددها ، ووصف لحظات الوداع ، بل وحدد مدته ، ووسائل السفر ، وردد تهاني العودة .
فعثمان خالد كتب " إلي مسافرة " وغرد سليمان عبد الجليل برائعته ( حليل الراحو خلو الريح تنوح فوق النخل ) في وداع حلفا القديمة وثلث حمد الريح ( بحمام الوادي يا راحل) أما بلبل الغرب صديق عباس فصدح ( يا مسافر بعيد راح فات الحبايب ) وابن الشرق الحلنقي شدا للعصافير المسافرة ( هجرة عصافير الخريف ) و إسماعيل حسن" ويقال صديقه وصفيه الشريف حسين الهندي" بكي مع هجرة طير الرهو (والله يا طير الرهو قسما عديل ما فوقو لو )
المسافر إما أن يسافر قسرا ( إنا ما داير السفر لكن بس حكم القدر ) أو "كيه " في الحبيب رضي أم أبي ما يهم ( لو تسافر دون رضانا نحن نشقي العمر كلو) والمصيبة في طول زمن الغربة " كحالتنا مثلا " فنحن مع ( سنين الغربة ) و ( سافر زمان قبال سنين لا جاب جواب لا جاب خبر ) ولا رسل مصاريف .(وخمسة سنين تفوت تجي فيها فد مرة )... أو رحولا مع النسيان الدائم ( رحلتو بعيد نسيتو الريد والحنان )
ثم يجئ الوداع ولحظته و"الجرسة والكبكبة " فسيد خليفة ماعرف يودع (أودع أودع أودع كيف ؟؟؟ ) وحمد الريح هتف (الوداع الوداع يا جبال الهموم ) وخضر بشير(ودعني بي لغة العيون ) " الله يسألكم ده كيف بس ؟" ... أما ذلك المدعي فقد ودعها بلا حزن (ودعت هواك بلا حزن وغدا أنساك هيا انسيني )كذاااااب . ووعده الآخر بالتذكر وعدم النسيان ( ننساك أنت أنت بتتنسي ) والكابلي ودع وسرح مع الأحلام( ودعت عيني وسرحت في الأحلام ) وقد يدعو لترك السفر ( يا مسافر ادلى وسيب السفر يلا )
ويركب المحبوب احد وسائل الترحال قطار كانت أم لوري ربما الباص ولو جعيص الطيارة ... وممكن باخرة لو ظروفو عاكسنو ( فيا ناس قطارو حلا ترك لعمري الآلام والمذلة الزول مسافر يا ناس ودعتو الله ) ( والقطر الشالك أنت ينكسر حته حته وتسلم لي أنت ) ألم تسمع الرذيلة (فلا هطلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلاد ) لكن حقيقة الحب " غبيان " . ويبكي الشفيع قطار حبيبه الذي ارتحل بدمع مهراق ( القطار المر فيهو مر حبيبي )..والفلاتية (ابقي قمره جو القطر ) .... أما اللوري " الأبيض ضميرك " فوسيلة سفر مأمونة ومضمونة في الحلال وغرب السودان حيث الرمال التي تحوج السواق والمساعد "للصاجات " ( دو دو بي اللوري دو دو بي) و ( اللوري حلا بي دلاني أنا في الودي) أو ( السايق الفيت ) أما الطائرة فحسبنا رائعة الكاشف اخوي " رحلة بين طيات السحاب " ( الحب نما وبلغنا أسباب السما وسبحنا في العلا كالسحاب وبقو لينا الأنجم قراب) يعني بقي ( اباطو والنجم ) ما الطيارة أصلها غالية .... وقد تكون الباخرة أو السفينة فحبيبة شاعر من الاسكلة وحلا (حاجزين قمره أتنين دور )
الحبيب المسافر انتقل إلي جهات الأرض الأربع في الغناء السوداني ففي مصر أسباب شقاء الشاعر حسن أبو العلا ( فيك يا مصر أسباب شقاي ) أما ليبيا فقد غيبت حبيب جميلة الغرب تلك فبكته بما غناه عقد الجلاد ( ليبيا كان تعقري ) و اسمرا هي منتهي سفر اللوري الذي حمل الحبيب ( من كسلا لي تسني ) و قد يكون المهجر الحجاز أو الخليج ( ولدبي وأبو ظبي سحر خاص في أغنيات البنات )
تزداد اللوعة والحسرة بتذكر الحبيب الغائب في كل مناسبة والعيد أبرزها ولاشك ( فالعيد الجاب الناس لينا ما جابك ) أو النور الجيلاني ( جاءنا العيد وأنت ما في ) أو بتذكر لحظات زيارته ( ما كنت بتزورنا وتسعدنا يا فنان ) أو يبكي حالته ( كنت معاك سعيد والليلة في بعدك ما أضناني) .
وقد يعود الحبيب سالما غانما للحبيب فيستقبله بالأفراح والسرور ( عاد الحبيب المنتظر عودا حميدا مستطاب ) .. أو قد تجئ سيرته فيذكر ( وقت سيرتك يجيبوها ) أو قد يجئ صديق من البعيد فيطمئن الأهل والأحباب بأنه عوافي سمين وأمين " ويأكل في الدجاج ويسمع في الكابلي " ( لامن يوصلوك ويقو ليك شفناه في بلد الأمان يا يمه رسلي لي عفوك ينجيني من جور الزمان )
رد الله غربة الجميع سالمين غانمين ملظلظين لتكتمل الأفراح والأغنيات هنالك ... والنقدة فيكم كان ما شلتو معانا !!!!
(
)