سؤالك بخوف و بلخبت الباقية في الراس.. لكن المحاولة ما بطاله...
بعيداً عن الجنوح الفلسفي...
يقول الحق عز و جل في كتابه المبين (إنا هديناه النجدين إما شاكراً و إما كفورا..)، إذا سلمنا بعقل الإنسان الذي ميز الحق من الباطل فطرةً و سلمنا بالثواب و العقاب نكون قد أكدنا على أن الإنسان مخير و ليس مسير و إلا فما ضرورة محاسبة من لا يملك حق اختيار الصواب و الخطأ...فهناك أشياء نحن مخيرون فيها و أخرى مسيرون فيها.... أنا مجبر على الأكل و إلا سأموت و لكني مخير في نوعية الأكل و طريقة و وقت تناوله....
الموضوع شائك و معقد و بسيط في نفس الوقت، أنت تحس في أعماق نفسك بحرية الاختيار و إذا نظرت لحياتك ستجد أنك قد حددت الكثير منها بنفسك و تفخر بذلك و لكن عندما تفشل تبدأ رحلة البحث عن السبب و أن هذا قدر محتوم...
يفصل ذلك بطريقة جذابة جداً و رائعة .... الدكتور عماد الدين خليل في كتابه (العقل المسلم و الرؤية الحضارية) فيقول....
الإنسان محكوم بالنواميس و مجبر عليها..
و لو تمعنا قليلاً في موقفنا عبر الكون لرأيا أننا مجبرون- بالحق و العدل و النواميس، و باعتبارنا جزءاً من خليقة الله، شئنا أم أبينا-في مساحات واسعة حاسمة في وجودنا : إننا مجبرون على أن نولد، و مجبرون على أن نموت ... إننا مجبرون على نبعث و أن نحاسب على أعمالنا ، و أن نساق إلى جنة أو نار وفق هذا الحساب العادل المحفز... إننا مجبرون على أن ننتمي إلى هذا الإقليم أو ذاك، و إلى هذه القبيلة أو تلك الأمة... و إلى هذا الجنس أو ذاك إلى هذا اللون أو ذاك... مجبرون كذلك على أن نخضع لمتطلبات حياتنا البيولوجية و الحسية، و على أن نتقلب في تجاربنا النفسية بين الحزن و الفرح و الغم و الانشراح و الخوف و الظمأ و الطمأنينة و التمزق و التوحد... و فوق هذا و ذاك فإننا مجبرون على حمل ملامحنا الشخصية المتفردة و سماتنا الخاصة و بصمات أصابعنا ... و بدون هذه الالتزامات الحتمية تتبدد الحياة و تفقد وحدتها و تماسكها و معناها... بدون هذا (الجبر) تضيع البشرية ، و يحدث التناقض في النواميس و تختفي قيم الحق و العدل الأزلية...
و يستطرد قائلاً عن مساحة حرية الإنسان...
و المساحة المتبقية لممارسة حريتنا إنما منحت لنا لتمييزنا عن سائر خلق الله ، و تفضيلنا على العالمين... إن هذه المساحة تمتد هي الأخرى إلى أمداء واسعة : الموقف الذي نتخذه من العالم ... الأعمال و الأهداف و المعطيات التي نقدمها في الحياة... هذه الحرية التي تقف بالإنسان و الأمم و الشعوب و الحضارات على مفترق طريقين: فإما أن تكون مواقفنا و أعمالنا و أهدافنا منسجمة مع نواميس الكون و سنن الحياة ، متوافقة معها ، مما يترتب عليها إنجاز حضاري أغنى، و توحد بشري أشمل، و سعادة أكثر عمقاً، و مصير في الأرض و السماء أشد توافقاً مع مهمة الوجود البشري في الأرض ... وهذا ما سعت الأديان لتحقيقه في العالم، و ما يسعى الإسلام، و سيظل، من أجل تحويل البشرية كلها إليه (حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله...)....